–
–
آدم وحوّاء وشُبهة الشرك التي علِقت بهما … ولكن هل يُعقل لأن يُشرك آدم وحواء بـ الله
– قال تعالى “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)” الأعراف
لقد أجمع أغلب المفسرون بأن قول الله تعالى في هذه الآيات الكريمة يرجع لتسمية آدم وحوّاء لمولود لهما بـ “عبد الحارث” حيث وحسب ما أبلغونا به وهو بأنه كان لا يعيش لهما ولد وأن إبليس “واسمه الحارث” كان قد أخبرهما بأن عليهم لأن ينسبوا المولود إليه وذلك أن ارادوا له الحياة ولكنهم في بداية الأمر رفضوا ولم يستجيبوا لمحاولات ابليس للتأثير عليهم ولكن وعند تكرار موت المواليد رضخوا لمطلبه وسميا المولود بعبد الحارث .. فعاش المولود .. فأخبرنا الله بقصة شركهم هذه
لقد استند علماء التفسير على العديد من الروايات التي نُسبت في معظمها لإبن عباس ففي تفسير الطبري- حديث رقم15515 حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت حواء تلد لآدم، فتعبدهم لله، وتسميه “عبيد الله” و”عبد الله” ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم، فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش ! فولدت له رجلا فسماه “عبد الحارث” ، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله: جعلا له شركاء فيما آتاهما، إلى آخر الآية
لقد تناولت الآيات الكريمة موضوع شرك آدم وزوجه وهذا واضح من قوله تعالى “جعلا له شركاء فيما آتاهما” ولكن حاول المفسرون ابعاد شبهة الشرك عنهما فمنهم من دافع عن شركهم دون حجة ويقين وحاول تبرير وصف آدم وحوّاء بالشرك ولكن من دون جدوى، ومنهم من نفى شركهم واعتبر بأن من يزعم بأن هذه الآيات الكريمة تُشير إلى آدم وحواء فهو يُلصق بهما تهمة الشرك بالله “والعياذ بالله” خاصة وأن آدم هو نبي وهو معصوم عن الشرك. لقد ذكر السيوطي في الإتقان “ج1 ص 90” بأن الآية هي في آدم وحواء كما جاء مصرّحا به في حديث أخرجه أحمد والترمذي حسنه والحاكم صححه وقال: كيف نُسب الإشراك إليهما وآدم نبي والأنبياء معصومون منه قبل النبوة وبعدها إجماعاً؟ وقد جرّ ذلك إلى أن بعض العلماء حمل الآية على غير آدم وحواء وتعدى ذلك إلى تعليل الحديث والحكم بنكارته وذكر بأن آخر الآية كان في العرب وشِركهم حيث عاد الضمير في أولها على الإثنين وفي آخرها على الجمع “فتعالى الله عما يُشركون” ولا بد من حمل التعبيرات المتشابهة على مالا يطعن في عصمة الأنبياء
–
التحقيق في قوله تعالى: جعلا له شُركاء
إن ما يُجدر بالإشارة إليه هنا هو قوله تعالى المباشر والصريح بان آدم وحوّاء جعلا له شُركاء، وقول شركاء في الآية الكريمة أتت بصيغة الجمع بدلاً من الإشارة على إبليس بصيغة المفرد أي شريكاً واحداً كما يُفترض فهو المزعوم بأنه الشريك الوحيد والتي أشارت عليه هذه الرواية وكانت تدور حوله فقط، إذن فماذا يعني قوله تعالى “جعلا له شركاء” حيث وأن هذا القول يبطل صحة هذه الرواية وبالتالي إحتار واختلف المفسرون وأهل التأويل في موضوع شرك آدم وحوّاء فقال بعضهم: جعلا له شركاء في الاسم . .. كما في تفسير الطبري 309
إذن فكان هذا ناتج عن تسميتهما لإبنهما بعبد الحارث بدلاً من عبدالله أو عُبيد الله .. وقال البعض بأن قوله تعالى “فتعالى الله عمّا يُشركون” لا يُشير على آدم وحوّاء بل على جميع المشركين وقيل: كان هذا الشرك في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم وقيل: عني بهذا ذرية آدم من أشرك منهم بعده وقيل: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا وقال آخرون: بل المعني بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بني آدم جعلا لله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد وبالتالي فكما نُلاحظ فلقد اختلف في تأويل الآية الكريمة وعلى ماذا يعود شرك آدم وزوجه حتى أن هذا الإختلاف دفع بالبعض من المفكرين العصريين إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من هذا كُله .. فمن خلال اطلاعنا على بعض من ابحاث الدكتور عبدالوهاب السيناري رأينا بأن الدكتور يقول وبالحرف الواحد كما هو منقول عنه “يمكننا تفسير الآيات السالفة بإتباع منهج تفسير القرآن الكريم بالبحث فيه على النحو التالي: أن أول من خُلِقت من البشر كانت أُنثى. كما يُمكننا أن نستنتج أن قوله تعالى: “جعلا له شُركاء فيما آتاهُما” لا ينطبق على آدم وحوّاء لان الله برأ آدم عليه السلام من الشرك ولأنه تاب عليه وهدى، ولأن آدم وحوّاء طلبا المغفرة والرحمة من ربهما. وهذا بالضرورة يعني أن الآيات السالفة لا تُشير إلى آدم وحوّاء وإنما تُشير إلى أول زوجين خلقهما المولى عز وجل ثم أشركا هما وذريتهما إلا الآباء الذين وصفهم بنو آدم بالشرك في الآية 173 من سورة الأعراف “أشرك آباؤنا من قبل” هم نفس الآباء الذين قال الله تعالى عنهم على لسان بني آدم المباشرين، أنهم آباؤهم وليس أبويهم، ولكن الله تعالى أهلكهم بشركهم وجعل آدم وحواء وذريتهما خلفاء لهم
ولكن لا أعلم على ماذا استند الدكتور في زعمه الباطل هذا لأن الله تعالى في افتتاحية سورة النساء يقول
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء ” النساء 1
وبالتالي فالخطاب القرآني هو للناس وهم الذين اشار الله عليهم بالمخلوقين من هذه النفس الواحدة، وهي نفس النفس التي عاد الله وحدثنا عنها في سورة الأعراف فقال “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ” والناس هم الذين عرّف الله عليهم في العديد من الآيات القرآنية على أنهم بني آدم، أي فالناس الآدميين هم المخلوقين من نفس آدم عليه السلام وبالتالي فقصة الشرك هذه تُشير على آدم وزوجه وليس كما يتخيل الدكتور على أن النفس تعود على زوجين كان قد سبق خلقهما خلق آدم وبالتالي فالشرك يعود عليهما وليس على آدم وزوجه وذلك كما يروج له من دون دليل أو حُجة تُثبت صحة قوله هذا والذي يُساهم فيه في تضليل الناس
–
لقد تعددت أوجه الشرك وحسب لسان العرب: نقول هو بمعنى شرك إشراك بالذات، ويأتي أيضاً بمعنى شرك شراكة بالأشياء وبالتالي يمكن لأن نستنتج على أن الشرك هو على وجهين
أولهما: هو الشرك بـ وحدانية الله المطلقة: “الشرك بـ ” الله وهو أعظم الشرك
قال تعالى ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا” النساء 48ن
وقال تعالى “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ” النساء 116
ويقسم الشرك بـ الله إلى ثلاثة أنواع وهو
أولاً: شرك بالربوبية لغير الله والذي حذرنا الله منه
فقال تعالى “فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” الكهف 110
ثانياً: شرك بالذات الإلاهية أي في أحاديته ووحدانية تكوينه: وهو بأن تُشرك به في تكوينه وذاته
قال تعالى “وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ” الزخرف 15
ثالثاً: شرك بالمُلك: أي تشرك مع الله في مُلكه
قال تعالى ” لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا” الإسراء 22
وقال تعالى ” مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ” المؤمنون 91
وقال تعالى ” لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” المائدة 120