–
الإنسان والتطور: مادة خلقه وتطوره
بعد أن عرضنا عليكم البحث الخاص في “التحقيق في خلق آدم عليه السلام وفيما إذا كان هو أول البشر وأول إنسان خلقه الله” والذي فيه أشرنا على تطور الإنسان من إنسان بدائي إلى إنسان ذكي فسنعمل على تدبر الحقائق القرآنية والتي سنُشير من خلالها على أصل الإنسان ومما خُلق ونرد على مزاعم الكفار والمُلحدين والتي يزعمون فيها على أن الإنسان كان قد اشترك بجد أو سلف مشترك مع القردة العليا
يتساءل المُلحدين وغيرهم من غُلاة اليهود والنصارى بدهاء وبمكر وذلك بقصد الطعن والتشكيك في القرآن
أولاً: عن أصل الإنسان، فهم يجزمون على أن الزعم الديني بأن أصل الانسان من شخص يسمى أدم لا يعدو كونه سوى خرافة في ظل الاكتشافات التي شملت مناطق عديدة من العالم للعديد من الهياكل والتي تعود لمختلف مراحل التطور البشري والتي تربطنا من حيث السلف مع الشمبانزي والقردة او أشباه البشر
ثانياً: عن دور الطين في خلق الإنسان، فهم يقولون بأن الله لم يُشر في القرآن على الطين وحده بخلقه للإنسان منه وذلك لأن الله تارة يقول خلقه من طين وحين آخر يقول خلقه من صلصال من الحمأ المسنون ويقول خلقه من تراب ويقول خلقه من طين لازب ويقول خلقه من نطفة ويقول خلقه من ماء مهين …. فيتساءلون إذن هل خلق الله الإنسان من تراب ام من طين ام من صلصال ام من حمأ مسنون أم من طين لازب أم من ماء مهين؟ … وبالتالي فما هي الحقيقة وكيف نفسر الخلق بهذه الطريقة ومن كل هذه العناصر … فهم يعتقدون بأن الأمور تشابكت واختلطت على المسلم وغير المسلم ولم يعُد لها تفسير
فهل المُلحدين وغُلاة اليهود والنصارى المسيحيين إذاً مُحقين في تساؤلاتهم هذه؟ وما هو رأي علماء المسلمين وما هو ردهم على ذلك
ثالثاً: عن حقيقة خلق الإنسان من طين، فهم يقولون بأن القرآن ينص على أن الانسان خلق من طين ويعتبرون خطأ قرآني لأن الطين هو تراب وماء، والتراب يحتوي على مادة السليكا ولا يحتوي على الكربون والذي هو عنصر مهم في بناء الكائن الحي .. فماذا تُجيبون
في البداية ومن خلال الحديث عن التطور وحقيقة خلق الإنسان حسب ما ورد في القرآن سنتطرق إلى رؤيتين متضادتين في هذا الموضوع أولها للشيخ بسام جرار والذي لا يؤمن بتطور الإنسان ويزعم بأن القرآن لا يملك الرد على نظرية التطور بتاتاً، وأخرى للدكتور عدنان إبراهيم والذي يتفق مع نظرية التطور بأن الإنسان تطور من سلف مشترك مع القردة العليا ولكن ينسب التطور إلى الله لا الطبيعة العمياء ويستشهد على ذلك بالآيات القرآنية
أما رؤية الشيخ بسام جرار في هذا الموضوع فهو يتناولها في محاضرة مُسجلة له على اليوتوب تحت عنوان خلق آدم ونظريات التطور
الفيديو ابتداء من الدقيقة 27
وفيها يُعرض رؤية مُثيرة للجدل حيث يقول فيها: بأن آدم عليه السلام لم يكن حصيلة تطور بل كان حصيلة أخذ خاص وبالتالي حسب قوله فإن آدم كان قد أُخذ من قمة الهرم مما خلق الله من الكائنات الحية وأخذت منه زوجته وعَمَل الله له زوجية جديدة والتي نحن منها وبذلك كان آدم قد انقطع عن كل ماضٍ من قبله، أي بأن آدم لم يكُن حصيلة تطور إنسي كان قد سبقه، وأخبرنا بأن ذلك الأخذ كان تكريماً له وأضاف قائلاً وذلك حتى لا يدّعي أحد “أي حتى لا يقولوا حسب قوله” بأن آدم يُنسب للماضي، وبالتالي فلا علاقة لأحد بكيف خُلق آدم سواء كان مخلوق من تراب أو من كائنات أُخرى أو من شجرة أو حتى من عصفور يقول ساخراً، فهذه كُلها مراحل كانت قد انتهت، وكانت فقط قد سُخرت حتى يأتي المَلِك أي آدم كما أشار عليه وتحدى الشيخ الكريم أياً كان ليقدم ولو حتى آية واحدة من آيات القرآن أو حتى حديث واحد يقول بأن الكائنات الحية تطورت أو حتى لم تتطور سوى قوله تعالى “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ” سورة النور 45. ولا يوجد في القرآن غير ذلك حسب ما يدعي، وهو يزعم وبإصرار بأن القرآن الكريم لا يملك الرد على نظرية التطور وإن شاء أحد لأن يرد على نظرية التطور فعليه بالرد العلمي وليس القرآني
ولكن نحن لنا رأي آخر في موضوع خلق الإنسان وتطوره يُثبت عكس تصوره هذا وأكدنا على ذلك من خلال “التحقيق في خلق آدم عليه السلام وفيما إذا كان هو أول البشر وأول إنسان خلقه الله” وفيه أشرنا على أن آدم كان حصيلة تطور للإنسان البدائي الأول والغير سوي والذي كان خلقَه قد سبق خلق آدم، وبأن البشر الأولين لم يكونوا بالآدميين بل أمم دابة ممن قال الله فيهم “أمم امثالكم” وأتى البشر الأدميين ليتولوا خلافة الأرض من بعدهم بالإضافة على أننا سنرد من خلال مادة البحث هذه وسنثبت بأن القرآن يملك الرد على نظرية التطور ونبين بأن الله هو المسؤول عن تطور الكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان وهو وحده خالقها وليست الطبيعة العمياء
الإنسان والتطور: بين التحسين والتسوية
إن الغالبية من علماء الدين ينفون أي وجود إنسي كان قد سبق خلق الله تعالى لآدم فهم لا يؤمنون بتعدد الخلق الإنساني وتطوره ولذلك يشككون بمصداقية أي بحث أو دراسة في هذا المجال ويتساءلون عن أهمية هكذا موضوع ولكني لا أعرف سبب هذا الإنكار والنفي مع أن الدلائل المادية والعلمية المتوفرة لدينا اليوم تؤكد على وجود الإنسان البدائي “الغير آدمي” إذن فلماذا كل هذا الرفض والغير مُبرر من قبل بعض علماء الدين وأكثرهم علماً فهل يوجد في القرآن ما يحرمه أو يمنع من البحث فيه أو تجنبه … لا بل نرى عكس ذلك تماماً
قال تعالى “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” سورة العنكبوت 20
وبالتالي فلو بحثنا في حقيقة خلقنا البدائي الأول لتعرفنا من خلاله على حقيقة خلق كُل من آدم ومن بعده عيسى ابن مريم عليهما السلام
أما في الرد على قول الشيخ بسام جرّار بأن الإنسان لم يتطور وتحديه لأي كان ليُحضر ولو حتى آية واحدة تُشير على تطور أي من الكائنات الحية فنقول بأن التحسين يا شيخنا الكريم هو التطور ذاته وأما النص المباشر عليه فهو أتى من خلال
قوله تعالى “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” سورة السجدة 7
فالله في الآية الكريمة هذه يُخبرنا بتحسينه وتطويره لكل شيء خلقه فهو يقول “الذي أحسن كل شيء خلقه” وهذا معناه بأن الله لم يُبقي على شيء خارج أطار التحسين والتطوير بل فإن التحسين قد شمل على كل شيء مخلوق، فلم يُبقي الله على أي شيء خلقه على حاله بل نمّاه ورقّاه وحسّنه وطوّره، ومعنى “الذي أحسن” أي الذي حسَّن أي أدخل عليه التحسين، فبعد ما خلق الله الأشياء لم يُبقيها على حالها المخلوق بل حسّنها وسوّاها، وتحسين الشيء هو تطويره مما كان عليه وهذا يشمل على الإنسان وهذا نستمده من قوله تعالى من الآية الكريمة حيث بعد أن أخبرنا الله بأنه حَسَن كل شيء خلقه قدّم الإنسان على سائر خلقه وبدأ فيه وذلك في إشارة واضحة على تحسينه له بعد أن كان قد بدأ خلقه له من طين … فإذا كان قد بدأ الله خلقه للإنسان من الطين فهل أبقاه كذلك على خلقه الطيني أم طوره ليُصبح كائناً عضوياً حي فهل لك لأن تُجيب يا شيخنا الكريم … فـ التحسين هو التطور من حالة بدائية أو أولية إلى حالة متقدمة أكثر وأحسن وهذا شمل على كل ما خلق الله من إنسان وحيوان وكل شيء آخر بدون استثناء، فالله إذن طور أي “حسّن” كُل شيء خلقه ….. وهو وحده خالق كُل شيء
قال تعالى “اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ” سورة الزمر 62
ولذلك فإن هاتين الآيتين وحدهما لخَصتا كل الحديث عن تطور الكائنات الحية بجميع أصنافها وأنواعها فشملت على الإنسان والحيوان معاً قال تعالى “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم” والتي لم يبقيها الله على ما خلقها عليه وبالتالي فإن زعم الشيخ الكريم على أن القرآن لم يأتي ولا بآية واحدة تتحدث عن تطور الكائنات الحية خاطيء لأن الكائنات الحية كُلها تقع تحت التحسين الذي أخبرنا الله بأنه شمل على كل ما خلق فبالتالي لم يُبقي الله على ما خلق كما هو بل أدخل عليه التحسين وبذلك طوره من حال إلى حال أفضل مما كان عليه في بداية خلقه
أما النص الغير مباشر على تطور الإنسان فلقد كان واضح من خلال الإشارة على ما أدخل الله عليه من التسوية والتعديل، ولذلك فنحن نُعزز فكرة تطور الإنسان ولكن ليس بالمفهوم الدارويني بل بالمفهوم القرآني حيث نقول بأن الإنسان كان قد خضع لمرحلة تحديثية وتحسينية وتمت معالجته وتسويته وتعليمه وجعله من خلالها، وبالتالي لم يُبقيه الله على حاله الأول أي كما خلقه من قبل والدلائل على ذلك كثيرة في القرآن الكريم ومنهاالتسوية التي أوقعها الله على الإنسان بعد خلقه له
قال تعالى “ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)” القيامة
وقال تعالى “يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)” سورة الإنفطار
فبعد أن أخبرنا الله بخلقه للإنسان أي بعد أن أصبح الإنسان مخلوق وله وجود أدخل الله عليه التسوية حيث أتت بعد الخلق ولم تتزامن معه وبالتالي فلم يكن الإنسان بعد أن خلقه الله سويّ ولا مُعدَّل فكان ينقصه التقويم وبالتالي لم يكن حين خلقه الله في منزلة الأحسن تقويم بعد، كما ونلاحظ بأن الفاء في قوله ” فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك” تُفيد التعقيب، حيث كان الخلق فتبعه التسوية فتبع ذلك التعديل والذي أدى إلى تركيبه وتصويره بخلقه الإنساني على صورتي آدم عليه السلام وزوجه، وبالتالي فلم يخلق الله الإنسان البدائي الأصل سَويّ ومُعدل بل أتت عليه التسوية والتعديل بصورة آدم كإضافات لم تكن متوفرة في خلقه الأولي، وكان في تزويده بهذه الكماليات الأساسية هو تطور بعينه
يعتقد البعض أن معنى قوله تعالى “الذي أحسن كُل شيء خلقه” أي بأن الله كان قد جعل كل شيء خلقه في أعلى درجات الجودة والحُسن والجمال وبالتالي فكل ما خلق كان في أحسن صور الخلق والتكوين منذ لحظة إتمام خلق الله له، ولكن هذا التصور الخاطيء يُخالف مسألة التحسين التي أخضع الله كل ما خلق لها والتي هي واضحة في الآية الكريمة، فالله يُخبرنا ببدء خلقه للإنسان من طين أي إذن كان قد أوجده وأحدثه من طين ولكن كما نعلم فالله لم يٌبقي عليه بالمخلوق الطيني بل ألحق بذلك عملية تحوله .. حيث جعل عملية بناءه وتكوينه عضوية حيّة وبالتالي فعلينا بأن لا ننسى بأن بداية الإنسان كانت طينية كما اخبرتنا الآية الكريمة وها هو اليوم كائن بيولوجي حي وعلى قدر كبير من الجمال والحسن … فهل تحوله من سلالة من الطين إلى نُطفة أي خلية حية واحدة ثم إلى كائن حي مكون من الملايين من الخلايا الحية هو تحسين أم لا ……… وهذا ما نعنيه، فلم يُبقي الله على خلق الإنسان الطيني كما هو بل جعله كائن عضوي ثم اوقع عليه مزيد من التحسين من خلال تسويته وتزويده بكل من آليات السمع والإبصار والقدرات العقلية الذكية حيث فيها تطور الإنسان من مرحلة بدائية جهولة إلى مرحلة سوية عليمة
وهنا وفي هذه الآية الكريمة من سورة السجدة وقوله تعالى “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) سورة السجدة
يخص الله تعالى بالحديث الجنس الآدمي فالخطاب له ولا لأحد سواه فيخبره الله عن خلقه للإنسان أي الجنس الإنساني العام “والذي يشمل عليه” على مراحل خلقية أي من طور إلى طور آخر ومن مرحلة إلى مرحلة أخرى ومن حال إلى حال، وهذا فيه دليل نراه اليوم من خلال تنوع الأشكال الإنسانية البدائية والتي تم العثور على بقاياها المتحجرة، والتي أخضعها الله لأطوار خلقية
قال تعالى “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” سورة التغابن 3
وصوّركم أي أعطاكم صور متعددة وعمل على تحسين صوركم فقال “فأحسن” ـها أي أدخل عليها التحسين” وهذا تم على مراحل زمنية
وقال تعالى “وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ” الأعراف 11
وهنا قال “خلقناكم ثم صوّرناكم” إشارة إلى أن الخلق كان قد سبق تنوع الصور الإنسية ثم ألحق ذلك بقوله “ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم” أي فالسجود لآدم أتى بعد أن خلق الله الأنواع الإنسانية المتعددة والذين كانوا على صور عديدة إلى أن اختار الله الصورة الآدمية والتي أحسن تقويم الخلق الإنسي بها … فلم يخلق الله الإنسان البدائي الأول منذ البداية في أحسن تقويم فالله أخبرنا بأن الإنسان كان ” إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ” الأحزاب 72 . وهذه نواقص كانت قد صاحبت الخلق الإنسي الأول والتي حسّنها الله بخلقه لآدم الإنسان فسوّاه وعدله ثم جعله سميعاً بصيرا وذلك حتى يكون بالقادر على استقبال العلوم ثم علمه الأسماء والبيان فقال تعالى “عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” سورة العلق 5
و (لم) تأتي لنفي المضارع وجزمه وقلبه إلى الماضيّ نحو {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}. و(ما) تكون نافية
إذن فلقد كان خلقه بدائي والإشارة هنا على الإنسان كجنس، ثم طوره وحسنه إلى أن جعله في أحسن تقويم وهذا ما أخبرنا به منذ البداية، فمن كان بالظلوم الجهول لم يكن بالقويم والسميع والعليم وبالتالي فهو لم يكُن بالمخلوق السوي ولكن الله تعالى خلق البشر الإنسان “آدم” لاحقاً فأتم البناء الإنساني به وأكمله في هذه الصورة المعدلة والجديدة وكان في ذلك
قوله تعالى “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” سورة التين 4. فكانت مرحلة أحسن تقويم التي وصل إليها الإنسان هي الخلق الآدمي المتطور والمُحسن وهو المقصود في انتهاء مرحلة التحسين وهو آخرها وأحسنها وأكثرها رقي وقوامة على سائر المخلوقات بعد ما كان بدائي … وبالتالي فلقد كانت مرحلة متأخرة ولم يلحق بها مراحل تحسينية أخرى لأن ما وصل إليه الإنسان من درجة التحسين كانت نهائية فكان على أعلى درجات التقويم والتي ارتقى بها على سائر المخلوقات وبذلك تم الإنتهاء من الخلق الإنساني الكامل بخلق الله لآدم، أما هذا التقويم الذي وقع عليه هو تقويم الجنس البدائي الأول بجنس آخر هو الآدمي فهو أحسن جنس إنساني خلقه الله سبحانه وتعالى وقوم به الأجناس الأُخرى “بصورهم المتعددة” فكان تقويم الإنسان الآدمي على أحسن صورة حصيلة مراحل وأطوار خلقية وصورية متتابعة ومتعاقبة ومحسنة، وبالتالي فلقد كان وصول الإنسان إلى أعلى درجات التحسين هو ما انتهى اليه خلق الإنسان بصورته الآدمية
للإجابة على أسئلة الملحدين والكفار
المسألة الأولى: هل الإنسان والقردة العليا ينحدرون من سلف واحد
إن علماء الغرب الصليبي والمعنيين بدراسة تطور الإنسان يدّعون بل ويجزمون وبكل ثقة على أن الإنسان الحديث والقردة “أو بالتحديد ما يعرف بالقردة العليا كانوا قد تطوروا من سلف مشترك” فلقد حاول داروين لأن يُبيّن بأن الأنواع لم تنشأ بشكل منفصل أو مستقل عن بعضها البعض وأن الإنتخاب الطبيعي كان هو العامل الرئيسي وراء التغيير وبأن الأنواع تتفرع من أصل وسلف مشترك
وذلك على الرغم من أن السجلات الأثرية لتطور الإنسان والموجودة بين أيديهم لا زالت غير مكتملة ولا يزال هناك الكثير من النواقص والفوارق والتساؤلات والتي يصعب على العلماء الإجابة عليها بشكل موضوعي ودقيق، بالإضافة على أنه لا يوجد ما يملكونه من الأدلة الحقيقية على ما يدّعون …. ونحن ننقل لهم
قوله تعالى “قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” النمل 64
ولكنهم كما تعودوا دوماً فهم ينسبون لأنفسهم معرفة الحقائق الكونية والخلقية والتي لم يشهدوها وبدون محاسبة أو مُسائلة من أحد….. ومع ذلك فهم يُريدوننا لأن نحذو حذوهم ولأن نؤمن بالتطور وبأن الانتخاب الطبيعي هو المسؤول عن تنوع الأجناس وبأن الأنواع نُسلت من بعضها البعض وبدون دليل .. فهم يزعمون بأننا والقردة ننتسب لجد واحد على الرغم بأن التاريخ المشهود والمكتوب ومن أكثر من ستة آلاف سنة وحتى يومنا هذا لم يشهد ولا حتى حالة واحدة على تحول قرد لإنسان ولا حتى نصف أو ربع قرد .. فاين هي علامات التحول ولو على المستوى الجيني أو الابتدائي ولماذا لا يمكننا العثور عليها أو تقصيها أو التحقق منها عصرياً ولا فوصلياً .. فالحلقة المفقودة لا زالت مفقودة ولم يتم العثور ولا على أي فوصل يدعم تصورهم الخاطيء هذا ومع ذلك فإن أراد أحد منا لأن يرى قرد فلن يعثر عليه من بين الآدميين بل عليه لأن يذهب للأدغال أو لحدائق الحيوانات لأن الظاهر بأن انتظارنا طال وأصبحت فكرتهم عبثية ومُملة
قال تعالى “مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا” سورة الكهف 51
فها هم وعلى الرغم من انهم لم يشهدوا حقيقة خلق أنفسهم ألا أنهم يحاولون جاهدين لأن ينسبوا الإنسان إلى ماضٍ حيواني بعيد ولكنهم تراهم دوماً يصطدمون بمانع وحاجز يحول بينهم وبين دعواهم وزعمهم الباطل والضال هذا فيُبقيهم على جهلهم، ولذلك فهم يتمنون لان يُحققوا شيئاً ما حتى يوظفوه ليكون الجسر الواصل بين الحق والخيال، فالحلقة المفقودة والتي يريدون لأن يربطوا الإنسان بها بواقعهم الحيواني الغريزي المُتخلف بقيت حفرة تؤرق مضاجعهم لأنها مفقودة ولذلك فمهما حاولوا تسلق جدار الأمل الوهمي ستراهم يقعون في فخ حفرة أكبر منها وهكذا فستبقى بحوثهم واكتشافاتهم يُغلفها حلقة كبيرة من اللا مفهوم والا مُدرَك، فهم لا يملكون الدليل الذي يُثبت حقيقة وجودها سوى تَمَسُكِهم بأوهامهم وكِبرهم وها هي لا زالت ترمي بجهودهم ومحاولاتهم للعثور عليها وفي كل مرة بالفشل والخُسران … فهم وبكُل بساطة لا يملكون الدليل على تحول الإنسان وتطوره من خارج إطار كيانه الإنساني ولن يملكوه أبدا لأن الإنسان فعلاً تطور ولكن ليس من حيوان آخر بل تطور من أصله الإنساني البدائي المُتخلف إلى إنسان عاقل وذكي ومُدرك
لم يُشهد الله الكافرين ولا غيرهم على كيفية خلقه للسماوات والأرض ولا خلقه للإنسان من قبل فهذا كان من أمر الله وشأنه وحده فكيف لهم لأن يدّعون كذباً وزوراً بمعرفتهم بكيفية حدوث ذلك وبكيفية تطوره … ولذلك فإن لم يكونوا قد شهدوا حدوث خلق الإنسان فكيف لهم لأن يعثروا على أي حلقة قد توصلهم إلى حقيقته خاصة وهي غير موجودة من أساسه
ولكن ومما يُعزز جدلهم هذا وللأسف هو نفي العديد من علماء وشيوخ المسلمين على أن آدم ليس بأول إنسان خلقه الله ولا هو أبو الإنسان ولكن الحقيقة وهي بأن آدم هو خلق إنساني متطور ومتأخر كان قد تطور من خلق إنسي بدائي أقدم منه وبذلك يكون نفيهم هذا يُساهم في استمرار حجب الحقيقة عن الكثير من الناس ويعمل على تهميش دور القرآن في الإشارة على تعدد الخلق الإنسي وتنوعه والذي أشرنا عليه في اثبات بأن آدم ليس أول البشر ولا هو بأول إنسان … وبذلك فهم يساهمون ولو عن غير قصد في ابقاء اليهود والنصارى المسيحيين والملحدين على الضلال والضياع كما ويزيد نفيهم لهذه الحقيقة القرآنية من تهجم الملحدين والمفلسين والمتفلسفين والعابثين على كتاب الله
وبالتالي فعلى كل من يُريد تتبُع عملية الخلق والتعرف على كيفية حدوثها بالرجوع إلى العليم والذي في كتابه الكريم أخبرنا بعلمه الواسع واللا محدود
فقال تعالى “إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا” سورة طه 98
وقال تعالى “يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” سورة الحديد 4
كما وأخبرنا الله بتدبيره وقدرته والتي لا تسمح بتحرك ولو ذرة من ذرات هذا الكون العظيم إلا بعلمه وأمره
قال تعالى “يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ” سورة لقمان 16
أما رؤية الدكتور عدنان إبراهيم فهي تتفق مع بعض العلماء الليبراليين في كنيسة انجلترا والذين قد أشاروا على أن الانتخاب الطبيعي هو أداة من تصميم الله، وهذا للأسف ما تبناه الدكتور عدنان إبراهيم واصبح يردده علينا اليوم ويستشهد بالقرآن على ذلك
فهو يقول في الدقيقة 12 من الفيديو التالي
–
وهو بعنوان: علشان ترتاحوا هذا موقفي من التطور: ما المشكلة إذا كان الله يُريد أن يخلق الأنواع وأن يستل بعضها من بعض بطريقة الانتخاب الطبيعي .. ما في مشكلة
ويستشهد بالآيات القرآنية مرة أُخرى “ليؤكد على صحة النظرية” ويُكمل قائلاً
والقرآن يقول هذا، يقول: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ. فاطر 1
ويقول: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ق 15
ويقول: مالكم لا ترجون لله وقارا. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا نوح 13 – 14
ويكمل قائلاً: في إشارات مدهشة وعجيبة وهذا هو ما زعم به داروين الكافر
والآن وللأسف يحذو حذوه أحد أكبر عمالقة الفكر العصريين الدكتور المسلم عدنان إبراهيم
فالدكتور عدنان إبراهيم يزعم بأن الآدميين والقرود يشتركون بسلف واحد أي لهم جد واحد كانوا قد تفرعوا منه
الفيديو بعنوان: الإنسان أصله شمبانزي
–
بالإضافة على أن رأيه في التطور كما صرّح هو به نراه في هذا الفيديو والذي هو
بعنوان: التطور في القرآن – عدنان إبراهيم … والذي نضعه في متناول أيديكم وذلك حتى يكون شاهداً عليه ودليل على صدقنا
–
فهو يبدأ الفيديو بالقول: ولكي أُطَمْئِن اخواننا التطوريين من ابناء المسلمين وغير المسلمين .. ملِّيين وغير ملِّيين أقول لهم أنا شخصياً عندي استعداد أن أوافق داروين والتطوريين بنسبة 99 في المئة فيما ذهبوا إليه، فما رأيكم – نعم – في حقائق كثيرة جداً وصحيحة في التطور، في أدلة محسوسة عليها .. تعرفون ما الخطأ، الخطأ أن رجال الدين عبر العصور أصرّوا على أن الله يخلق خلقاً مستقلاً، خلقاً لمرة واحدة، يعني الإنسان خُلِق في لحظة .. غير صحيح
ملاحظة على قوله هذا: وهي بأن المشكلة الحقيقية ليست بما ذهب إليه علمائنا الأفاضل وردهم على نظرية التطور بهذا الأسلوب العفوي أي زعمهم للخلق الفوري “اللحظي” أي بـ كُن فيكون ولكن المشكلة الأساسية هي في نظرية التطور نفسها والتي تُخالف الحقيقة القرآنية ولا تعترف بدور الله في الخلق بل تنسبه للطبيعة العشوائية
ويُكمل الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً: نظرية التطور حيت تقرأًها وتتعمق فيها وتقرأ ادبياتها فيها جاذبية فيها سحر وجمال، حقيقاً سحرتني منذ كنت غلاماً صغيراً أيُها الأُخوة، وقرأت أصل الأنواع .. سحرني تعرفون لماذا .. تتحدث عن مداومة عن استمرارية عن انتقاء .. صحيح غبي لكن نتائجه ذكية مع أنه غبي هذا الإنتقاء، عن اشتقاق الانواع من بعضها البعض. في جهد … في ابداع في مقابل النظرية اللاهوتية لدى عموم المتدينين الساذجة جداً والفقيرة جداً والتي تصور الله ككائن كبير مقتدر، قاعد لربما على كرسي أو عرش من خشب أو من قصب، من ذهب يأخذ مادة مصنعة أو مادة هُلامية يأخذها ويصنع الكائنات نوعاً فنوعاً بضربة واحدة وللأسف معظم رجال الدين يعتقدون هذا الإعتقاد وهذا غير صحيح
ويقول أيضاً: نحن نرى أن هذه النظرية تقترب جداً جداً من الآفاق القرآنية وتبتعد فقط بواحد في المئة .. ويقول: ما هو الواحد في المئة، الواحد في المئة هو الذي يُفرّق بيننا وبين الشمبانزي، ويستشهد في آخر دراسة غربية فيقول: في آخر دراسة في مايو لعام 2009 “ما الذي يجعلنا بشر” يجعلنا أوادم … آدميين، هذا عنوان الدراسة في السينتيفيك أميريكان، النتيجة نحن نتشارك مع الشمبانزيات هذهِ بـ 99 في المئة من الجينوم الوراثي .. يعني من بين 3 بليون حرف وراثي فقط نحتلف عنها بـ 15 مليون .. تخيل .. جميل جداً ونحن نوافق هذا … وأين الإفتراق كما قلنا في خُطب سابقة، الإفتراق في قوله تعالى ” ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ” .. كيف كان الخلق الآخر قال ” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي” هُنا اختلف .. هذا ليس قرداً .. ليس شمبانزي .. بل أصبح إنساناً مع أنه يُشابه الشمبانزي في أشياء كثيرة جداً جداً وهنا يفترق، وهُنا نحن نفترق عن نظرية التطور ونقول بالتطوير الإلهي
فهو يستشهد بالآيات القرآنية وبالخصوص
قول الله تعالى ” ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ” المؤمنون 14
وقوله تعالى “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي” الحجر 29. و ص 72
ليُثبت على أن الإنسان يشترك بسلف واحد مع الشمبانزي وذلك حسب ما تطرحه نظرية التطور أي بأن الإنسان والشمبانزي كان لهم جد واحد كانوا قد انسلخوا عنه فكانت بدايتهم واحدة إلى أن سلخ الله الإنسان عن جده وأنشأه بخلق جديد ونفخ فيه الروح
ولكن وعند النظر في الآيات التي استشهد بها الدكتور عدنان إبراهيم
الأولى وهي قوله تعالى “” ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ” وللرد عليه نقول من هو الذي أنشأناه خلقاً آخر والذي تحدثنا عنه الآية الكريمة فإذا كانت حسب ما زعم الدكتور على انها تُشير على الجد والسلف المشترك فهو وبالتالي مخلوق ما جمع بين الإنسان والقردة في وحدة واحدة “إنسان قرد” أو “قرد إنسان” ولكن الآية الكريمة تخص بالحديث عن الإنسان وحده كجنس مستقل فالله يقول: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ المؤمنون 12- 14
فالهاء في أنشأناه تعود على الخلق الإنسي نفسه “وأشار عليه منذ البداية بجنسه أي على أنه إنسان” والذي خلقه الله من سلالة من طين فعاد وأنشأه بخلق جديد أي بصورة آدم فالحديث يخصه وحده أي عن الإنسان ولا تُشير على جد أو سلف مشترك مع القردة ثم حوله وأنشأه ليكون إنسان … فالحديث منذ البداية عن الإنسان والذي أعطاه الله خلقه المستقل
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ طه 50
أما مسألة نفخ الروح والتي حدثنا الله عنها في قوله تعالى “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” ص 71-72
فكانت أيضاً تخص هذا البشر والذي منذ البداية أراد الله لأن يخلقه من طين وسيعمل على تسويته ونفخ الروح فيه ولم يكن قد انفصل عن جد وسلف مشترك “مع القردة أو الشمبانزي” بنفخة الروح
إذن فالدكتور عدنان إبراهيم وكما هو واضح يتبنى نظرية التطور ولكن بدون تدبر بياني للآيات القرآنية ولذلك فهو يحاول لأن يعطيها الطابع القُدُسي أي بأن التطوير الإلهي كما أشار عليه وليس التطور هو الذي أحدث الافتراق بين الإنسان والشمبانزي وذلك بعد أن كانا ينتسبان لسلف مشترك وبالتالي فهو يدّعي بأن الله هو المسؤول وليس الطبيعة العمياء حسب ما ذهبت إليه النظرية .. وبأن هذا هو أسلوب الله في الخلق أي التطوير وليس التطور فالله لا يخلق خلقاً مستقلاً وكُلاً على حده أي فوراً وبـ كن فيكون كما ذهب إليه رجال الدين والذين نعتهم بالكذّابين من الذين يهرفون بما لا يعرفون حسب قوله .. .. وكأنه هو الذي على حق فيما ينسب للقرآن بدون هُدى أو علم ويقين وهم فقط الذين على خطأ
ولكن وللعلم فإن التطور والتطوير والذي حاول الدكتور جاهداً لأن يفرق بينهما هما في الحقيقة يخدمان نفس المصطلح لأن التطوير يُشير في العادة على العملية التنموية والإنشائية وهي لا تزال في طور الإحداث، اما التطور فهو النتيجة أو المفهوم العام الذي ينشأ أو ينتج عنها
أما بالنسبة إلى ما تناوله من القول بأن الله لا يخلق الأشياء بشكل لحظي أو فوري فهو محق بذلك لأن ما هو سائد عند بعض علماء المسلمين على أن الله يخلق ما يشاء بشكل فوري ويستشهدون في العادة بقوله تعالى “إن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون” وبذلك فإن الله قادر على أن يخلق أي شيء بقوله “كن فيكون” وكهذا ينطبق على خلقه للإنسان ولكنهم لا يأخذون بعين الاعتبار بأن قوله “كُن” اللحظي والفوري تكفي لتحقيق الخلق بدون لأن يكون تعقيب على فعل الأمر بـ فيكون والله لم يقول “إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن” وانتهت الآية عند هذا الحد حتى نعتقد بالخلق الفوري الناتج عن فعل الأمر هذا ولكن الله قال “كُن فيكون” أفادنا بفعل الأمر والإستجابة له وبالتالي فإن قوله تعالى “كن فيكون” لا تعني كن فكان وذلك حتى يكون الخلق لحظي وفوري كما يزعمون بل إن قوله تعالى “كن فيكون” أتى مسبوق بفاء التعقيب والتي تسبق يكون والتي تأتي بعد الأمر لا مصاحبة له وبالتالي يأتي عملها مستقبلي لا لحظي أي لكي يتحقق له أو يصير له كيان وفي ذلك دلالة على المستقبل أو وقوع الحدث المرتقب وبذلك يخضع الله ما يخلق لمراحل كونية تجعل منه كيان مكون وهذا يتوافق مع سنة الله في الخلق والتي كما أخبرنا تجري على مراحل زمنية وخلقية متتالية ومتعاقبة
قال تعالى “وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا” نوح 14
وأطوارا لا تعني التطور بمفهوم النظرية الغربية بل يعني على مراحل أو حقبات زمنية وعلى مراحل خلقية مختلفة والأمثلة على ذلك كثيرة
فالله يجعل مدة الحمل بالجنين بالتسعة أشهر يتطور خلالها الجنين من النطفة على مراحل تحسينية وتنموية حتى يولد طفل كامل مع العلم بأنه قادر على أن يخلقه بِكُن وإذا به كائن أي بكن فقط ولكن ومع ذلك جعل الله لحمله “أي تكوينه” لأن يخضع لعامل زمني محدد
يقول الله تعالى ” وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا” الأحقاف 15
فكما نرى جعل الله مدة الحمل تخضع للعامل الزمني وليست فورية
ويقول الله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ” الحج 5
والتي وبعد كُل هذه المراحل الخلقية والزمنية المتعددة والتي تطور منها الإنسان من نطفة ثم علقة ثم مضغة حتى أصبح طفلاً ألا أنه لم يكن مع ذلك قد بلغ أشده بعد ولم يكتمل رشده فكان الطفل المولود لا يزال لا يقوى على الكلام أو التفكير أو الوقوف أو المشي … مع أنه مخلوق بالكامل، فها هو يولد بلا أسنان فلا يقدر على مضغ طعامه أو يكون بالقادر على التحكم بأعصابه وحركاته أو حتى يكون بالقادر على إطعام نفسه، وله لسان ومع ذلك لا يمكنه الكلام من ثم يبدأ بالتعلم شيئاً فشيئاً، وهذا تحسين لم يكُن قد خُلق عليه عند ولادته والسؤال هو … أليس الله بقادر على أن يخلقه وهو يتمتع بكل هذه القدرات ويقوى عليها بكُن والجواب وهو بالطبع ولكن لحكمة منه خلقه على مراحل وطوره تدريجياً. فلو أبقى الله على المولود الجديد كما هو حين ولادته لما أبدع الإنسان وتقدم بالعلوم وبنى حضارة ومدنية فالمولود في البداية يكون عبارة عن قطعة لحم يتناولها الناس دون أن تُدرك شيء ويعتمد في كل حاجته على غيره ويعجز عن الكلام والتفكير ثم يطرأ عليه التحول التدريجي ويبدأ بالنمو والتطور على مراحل حتى يبقى هو مسؤول ومطلوب منه وعليه تكليف
كما ولا نُريد لأن ننسى بأن الله أخبرنا بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وليس بالشكل الفوري وهو القادر على ذلك قال تعالى “وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ” سورة ق 38
ومن ثم بعد ذلك ألحقها بالجعل والتحسين بعامل زمني فدحى الله الأرض وأنار سماء النهار بضوء الشمس وأنار سماء الليل بنور القمر ولم يأت كل ذلك دفعة واحدة، فالأرض أول ما خلقها الله كانت غير مستقرة وغير مبسوطة وغير ممهدة وتغمرها الحمم البركانية، واليوم هي على عكس من ذلك كله …!! فلقد خلق الله الكون على ستة مراحل “ستة أيام” .. وليس فقط بكُن – فكان
وقال تعالى “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) سورة فُصلت
فلقد أنار سماء النهار بضوء الشمس وأنار سماء الليل بنور القمر وهذا جعل وليس خلق أي أتى لاحقاً وفيه
قوله تعالى “تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا” سورة الفرقان 61
فالله تعالى يبقى يحسن ويُحدث ويُجمل ولا يبقي على شيء خلقه كما كان ولم يأت كل ذلك دفعة واحدة فالأرض أول ما خلقها الله كانت غير مستقرة ولا يوجد فيها ماء ولا حيوان أو نبات… ثم عمل الله على استقرارها ولحق بذلك نزول الماء وظهور الحياة من عليها
قال تعالى “وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ” سورة لقمان 10 .
وقال تعالى “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” سورة الرعد 3
وكذلك فلم تكن الأرض قد دُحيت بعد حين خلقها الله ولم يكن يدور من حولها قمر يُنير ليلها ولا شمس تُضيء نهارها بعد، ولا تقوم الجبال بعمل الرواسي في تثبيتها وكُل ذلك أتى لاحقاً .. قال تعالى
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) سورة النازعات
واليوم فهي على العكس من ما كانت قد خُلِقت عليه في بداية الخلق و كذلك السماء فهي لا زالت تتوسع
قال تعالى “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” الذاريات 47
فلماذا لم يخلقها الله واسعة مرة واحدة وبكن وهو القادر على ذلك ولكن اخضع توسع السماء للعامل الزمني فتعهد باستمرارية توسعها وامتدادها
لقد كانت رحلة الإنسان الأولى عسيرة ومُظلمة …. حياة استمرت لملايين السنين ولكن دون أن يكون له أي ذكر يُذكر، فهو بعد أن “هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا” أمضاها الإنسان متنقلاً عبر محطات التاريخ لا يمتطي ظهر دابة بل كان هو بنفسه اشبه بالدابة، أحاطت به حياة جهل وبدائية كانت قد خلت من العلم والإدراك إلى أن انتهت بموته ومواراته عن الأنظار …قال تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ
وبقي على حاله المندثر حتى شاء الله فأعاد نشره .. وإحياءه …. وها هو اليوم وبعد انقضاء رحلته الطويلة التي سلكها مع البدائية والجهل وكان ظلوما جهولا يطأ الأرض بهوية إنسانية جديدة .. وبنشأهُ خلق تختلف عن ما كان عليها في الأمس
فقال تعالى: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ
فهو اليوم في أحسن صورة وخلق فهو اليوم إنسان آدمي .. وبشر يعلوا من فوق الأرض ويسمو على من عليها وينعم بالتفضيل والتكريم وخلافة الأرض ويرتقي بذكاءه وعلومه ومفاهيمه ويُخضِع ويُسَخِر ما حوله لخدمته ومسيرته
قال تعالى “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” الإسراء 70
وفي الرد على دعاة التطور سنتطرق للحقائق القرآنية التالية والتي فيها أيضاً نوضح للشيخ الكريم بسام جرار بأن القرآن يرد على نظرية التطور
الحقيقة القرآنية الأولى
وهي تُخبرنا بأن خلق الإنسان هو في الأصل مشروع إنساني صرف كان منذ إبتداءه وبأن الطين هو مادة الخلق والتي ابتدأ الله منها خلقه للإنسان ولم يبدأه من شيء ما كان بالمخلوق من قبل
قال تعالى ” وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” سورة السجدة 7
أي إذن فهذا الوحي القرآني في غاية الوضوح حيث يُشير على أن الإنسان لم يتطور من أي شيء آخر لأن خلقه يعود بالأساس على مادة الخلق الأولية أي الطين فبدأ خلق الله للجنس الإنساني من طين الأرض وليس من كائن حي “شيء” كان مخلوق من قبل فانحدر خلقه منه أو تطور ليُصبح إنساناً، فالخلق الإنساني وبالتحديد كان قد أُستل من طين الأرض
فقال تعالى ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ” المؤمنون 12 = 13
ثم جعله “صيّره” نطفة أولية وظفها لتكون حجر الأساس لبناءه الحي
قال تعالى “مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)” سورة عبس
فالنُطفة هي حجر الإساس الذي أُعتُمد في عملية تركيب ونسل الإنسان أي فلقد كان بأن ابتدأ بناء الإنسان كإنسان من نُطفة وليس من شيء آخر، والنطفة ترمز للخلية والتي هي أصغر وأول لبنة وضعت في تكوينه العضوي الحي فكانت هي “حجر الأساس” التي بدأ الله به تكوينه وقُدره على أن يكون كذلك فحُددت معاييره ونِسَبِهِ وعناصر تكوينه من خارطة جينية مُحددة الخواص والتعليمات، فالله يقول ” مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ” وبالتالي فالنُطفة هي ما أصبح يمثل السمة الخلقية للشيء
فلقد بدأ خلق الإنسان وتطوره كمشروع خلق انساني وإنشائي تطويري من سلالة من طين منذ بدايته وكانت النطفة هي أساس ومبتدأ تكوين نشأته المجهرية كشيء
وهذه كلها دلائل على أن الإنسان لم يكن حصيلة تطور من أي شيء آخر كان بالمخلوق
أما بالنسبة إلى النطفة فلقد أشرنا على هذا الموضوع من خلال موضوع: اطلقوا عليها اسم خلية والله وصفها بالنطفة
الحقيقة القرآنية الثانية
وهي تُخبرنا بأن الخلق الإنسي لم يكن حصيلة تطور من سلف مشترك أو تفرع من جد مشترك
وأتت العلوم الحديثة لتؤكد على ذلك ومتفقة مع ما أخبرنا الله به في القرآن وهو بأن كل المخلوقات “جميع الكائنات الحية” لها تركيبة وراثية مُستقلة ومُميزة تفرقها وتفصلها عن غيرها من المخلوقات
قال تعالى “قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ” طه 50
إن معنى قول “أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ” أي بأن كل كائن حي خلقه الله أعطى له صفة خلق مميزة عن غيره من المخلوقات الأُخرى وبالتالي جعل له مادة خلقه بها لها تركيبة وراثية خاصة به وهي المتمثلة بالصبغيات أي الكروموسومات وما تحتوي عليه من جزيء الدي ان إيه – الدنا والذي يكون هو وحده المسؤول عن بناءها الخلوي والتكويني العام وهذا يشمل بالطبع على الإنسان والذي بدأ إنسان منذ خلق الله له ….. وبالتالي فالمخلوقات كافة لم تتطور من بعضها البعض ولكل له خلقه المستقل
ويزيد في الخلق
قال تعالى “يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ” فاطر 1
ومن تلك الحالات مثل
أولاً: الزيادة في الخلق عن طريق تزاوج نوعين مثل الحصان والحمار ليعطينا البغل، والأسد والنمر ليعطينا اللايجر وغيرهم من الحيوانات
وثانياً: الزيادة في الخلق عن طريق استمرارية ظهور الأصناف والأنواع الجديدة والغير معروفة وغير مشهودة من قبل
كما وحدّثنا الله عن خلقه لكل شيء فقال تعالى “اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” سورة الزمر 62
فالله هو خالق كل شيء
وقال تعالى “سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُون”َ يس 36
والله هو خالق الأزوح كلها
وقال تعالى “وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ” الأنعام 99
والله هو مُنبت كل شيء
وذلك يشمل على خلقه للإنسان والحيوان والنبات والكون “السماوات والأرض” والحياة وبذلك نفى لأن يكون للطبيعة أي دور أو تكون هي المسؤولة عن الخلق
فالله هو من خلق الحياة: قال تعالى “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” الأنبياء 30
والله هو من خلق السماوات والأرض – الكون: قال تعالى “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ” الأنعام 1
والله هو من خلق الإنسان: قال تعالى “أوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ” يس 77
والله هو من خلق الدواب: قال تعالى “وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ” البقرة 164
فكيف يسهى الشيخ بسام جرار عن كل هذا ويقول بإن القرآن لا يحمل الإجابة على نظرية التطور
أما بالنسبة للإنسان فلقد أتت الإشارة القرآنية تؤكد على هذا الخلق الإنساني الأصل والذي بدأ الله به خلق الإنسان
قال تعالى “أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا” سورة مريم 67
وهنا نرى بأن الآية أشارت إلى خلو الفعل يك من التوكيد أي نفت على أن الإنسان في خلقه الأولي “من قبل” كان بالشيء أو الكيان المخلوق أي فهو في خلقه الأول كجنس لم يكن قد خلقه الله من ما هو شيء مخلوق فتفرع منه أو انسلخ عنه وكان قوله تعالى “ولم يك” حيث أتت الواو لتعطف على الإنسان وخلقه من قبل، وأتت لم لتجزم الفعل المضارع وتقلبه إلى ماضي أي فهو في الماضي ومن قبل خلقه الحالي لم يخلقه الله من شيء مخلوق أي من سلف
وامثلة أخرى على استعمال ولم يك ولم اك إشارة على خلوها من نون التوكيد في القران منها
قال تعالى “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” سورة النحل 120
وقال تعالى “قالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا” مريم 20
وقال تعالى “قالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ” مريم 9
وقال تعالى “ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ” القيامة 37
نلاحظ من الآيات الكريمة أعلاه وجود العامل المشترك بين كل من قول “ولم يك” وقول “ولم أك” وقول “ولم تك” وقول “ألم يك” ألا وهو خلوها كلها من نون التوكيد وهذا أبلغ في النفي .. فكما هو معلوم فإن االله يقول “كُن فيكون” ولا يقول كُ ليكون الشيء لأن فعل الأمر من كُ هو كُن وذلك من خلال التوكيد عليه بالنون وعند ذلك يتم حدوثه وتحققه “فيكون” ولا يصبح له كيان بـ فيكُ وحدها بدون النون وبالتالي فإن خلو هذه الأفعال من نون التوكيد تقطع أي صلة لها بالحدث وتلغيه وتنفيه تماماً وبذلك لا يكون قد وقع عليه فعل الكون أو التكوين أو كان قد تحقق له كيان وفي ذلك نفي تام واستنكار ونهي وإلغاء
ففي هذا الخطاب الرباني في الآية الكريمة مع الإنسان الآدمي يُخبرنا الله بأن الإنسان في جوهره الأصل كجنس كان بالمخلوق من قبل خلقه الآدمي حيث أتت من في “من قبل” بيانية لتُحدثنا عن ماضي الإنسان وتُشير على حقيقة أصله وجوهره، فأخبرتنا بأنه “لم يك” بالشيء المخلوق من قبل خلقه انساناً فهو: لم يك شيئا مخلوقاً من قبل
إذن فالقرآن الكريم يُخبرنا بأن الإنسان لم يتطور من أي شيء = لم يك شيئا = والشيء هو كل ما له تكوين ففي كان يكون الشيء ويصبح بالكائن، وحين يكون يتم معه الحصول و/ أو الحضور للصفة الملازمة والتي تلتصق في الشيء (كالوجود والإحداث والخلق) أما خلو يك من نون التوكيد فسيجعله بدون سلف أو مكون أخذ منه
إن عمل – لم – هو حتى تنفي المضارع وتقلبه إلى الماضي وكما ملاحظ في قوله “وَلَمْ يَكُ شَيْئًا” فلقد سبقت لم الفعل المضارع يك والملاحظ “خلو يك من نون التوكيد أي استعمال “يك” بدلاً من “يكون” وذلك حتى تنفي وقوع فعل الكون عليه من قبل خلقه كإنسان فالله لم يقل “لم يكن” بل قال “لم يك” ولم يستعمل نون التوكيد لتؤكد على الخلق استجابة لمشيئته وإرادته في فعل “كن فيكون” وبالتالي فالإنسان لم يكون له كيان محدث سبق خلقه كإنسان، وذلك على العكس من استعمال قوله تعالى “لم يكن شيئا مذكورا” في قوله تعالى “هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا” فلم يكن فيها استجابة على أنه كائن وله مكون ونون التوكيد أشارت على الكيان المخلوق والكون ولكنه لم يكن له ذكر وصيت ومبشر به، فكل شيء مخلوق بحاجة لفعل الكون والنون لازمة أما انعدام الشيء لا يلزم توكيده فهو غير محدث من أساسه
فبالنسبة إلى إبراهيم فهو “لم يكُ من المشركين” وبذلك قد نفى الله عنه أي صلة بالشرك
فحين القول بأن إبراهيم مثلاً “كان” هو تعبير لوجوده الحي، أما طبيعة وصِفة لهذا الوجود فلقد كان ظاهراً أو متجسداً من خلال قنوته وحنفه لله في عمله وإيمانه، وحين قوله تعالى لم يك أي لم تلتصق به أي مفسدة كانت والتي لو وجدت لكانت أعاقت صفو طهارته، فيذكرها الله بالتحديد وهي الإشراك بالله أو يكُ قد آمن بالشرك ولو للحظة، فلو قال الله تعالى “ولم يكن” بدلاً من قول “ولم يك” من المشركين لربما تُفهم على أنه لربما كان قد أشرك ولو للحظة قبل أن ينقلب على أهله وعلى شركهم، أو لم يكن معهم بعمله أو بلسانه ولكن كان منهم يوماً ما ولكن لم يظهرهم على شركه، أو لم يكن واحد منهم ولكن فلقد كان له شركه المختلف عن شركهم، ولكن أتت “ولم يكُ” لتنفي ولتطهره تماماً من أي شبهة شرك، أما النون والتي لزمت كان أمة أتت للتعبير البلاغي من أجل تجسيد الحضور الحي لهذا الكيان التقي
وكذلك بالنسبة لمريم فهي قالت ” وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ” فنفت عن نفسها قطعياً لأن تكون قد سألت أو طلبت لأن يرزقها الله بالغلام خفياً أو بالعلن، فلو قالت: ولم أكن بغيا لأفادت بأنها لربما كانت بغيا في العلن أو في الخفاء وبذلك كانت بغيا في إحدى الحالتين أو واحدة منهما تبغى أو تطلب الغلام ولكن قولها ” وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ” أتى بالنفي لأي حال من الأحوال
وكذلك بالنسبة إلى زكريا فإن قوله تعالى ” وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ” أتت لتنفي عنه كإنسان صفة التكوين أي لم يكن له كيان مخلوق “في خلقه الأسبق والأولي كجنس” من خارج جنسه
وكذلك بالنسبة للإنسان وقوله تعالى ” أَلَمْ يَكُ ” فهي أتت لتُخبرنا على أن الإنسان كان عبارة عن نطفة منقوصة التكوين حيث كان خلو الفعل “يكن” من نون التوكيد إشارة على عدم اكتمال التكوين الحي لها
المسألة الثانية: تعدد الإشارات على خلق الإنسان في القرآن .. ماذا يعني
والمسألة الثالثة: الرد على قولهم بأن التراب أو الطين يحتوي على السيليكا لا على الكربون
لقد أخبرنا الله بخلقه للإنسان من طين فقال: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ السجدة 7
وأخبرنا بخلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون فقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ الحجر 26
وأخبرنا بخلق الإنسان من طين لازب فقال: إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ الصافات 11
وأخبرنا بخلق الإنسان من نطفة فقال: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ يس 77
وأخبرنا بخلق الإنسان من ماء فقال: فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ الطارق 5-6
أما خلق الإنسان من تراب فلم يشير عليه بجنسه الأصل أي كإنسان بل على اسم آدم فقال: إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ آل عمران 59
فكيف نفهم تعدد صور خلق الإنسان هذه التي أشار الله عليها وكيف نفهم ما المقصود بها
التعريف بحقيقة الطين الذي منه خلق الله الإنسان وطريقة خلقه له – الطين ما هو
إننا نرى مكونات الطين من التراب وهي تتطاير في الهواء ومن حولنا وتُحيط بنا من كل جانب، ونرى تواجد وتنوع المركبات الطينية في كل مكان ومع ذلك فقليلاً ما نتسائل عن ما هو حقيقة هذا الطين والذي يحمل السر لبداية خلقنا وتكويننا ويكمن فيه أسباب الرزق والحياة
يزعم بعض من علماء المسلمين على أن خلق الإنسان كان قد تم على مراحل خلقية طينية متعاقبة كانت قد سبقت تحوله إلى كائن حي حسب قصة هيكل آدم الطيني كما نص عليه الحديث الوحيد والذي مفاده أن الله تعالى خلق آدم من طين لازب تحول بعدها إلى صلصال نفخ الله فيه من روحه فتحول إلى بشر من لحم ودم
فعن ابنِ عبَّاسٍ قال كان إبليسُ مِن حيٍّ مِن أحياءِ الملائكةِ يُقالُ لهُم الجنُّ خُلِقوا مِن نارِ السَّمومِ مِن بينِ الملائكةِ وكان اسمُهُ الحارثَ وكان خازنًا مِن خُزَّانِ الجنَّةِ قال وخُلِقَتِ الملائكةُ كلُّهُم مِن نورٍ غيرَ هِذا الحيِّ قال وخُلِقَتِ الجنُّ الَّذينَ ذُكِروا في القرآنِ مِن مارجٍ مِن نارٍ فأوَّلُ مَن سكنَ الأرضَ الجنُّ فأفسَدوا فيها وسفَكوا الدِّماءَ وقتلَ بعضُهُم بعضًا قال فبعثَ اللهُ إليهِم إبليسَ في جُندٍ مِن الملائكةِ وهُم هَذا الحيُّ الَّذينَ يُقالُ لهُم الجنُّ فقتلَهُم إبليسُ ومَن معهُ حتَّى ألحقَهُم بجزائرِ البحورِ وأطرافِ الجبالِ فلمَّا فعلَ إبليسُ ذلكَ اغترَّ في نفسِهِ فقالَ قد صنعتُ شيئًا لَم يصنعْهُ أحدٌ قال فاطَّلَعَ اللهُ على ذلكَ مِن قلبِهِ ولَم يُطلِعْ عليهِ الملائكةَ الَّذينَ كانوا معهُ فقال اللهُ تعالى للملائكةِ الَّذينَ معهُ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فقالتِ الملائكةُ مُجيبينَ لهُ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ كما أفسدَتِ الجنُّ وسفكَتِ الدِّماءَ وإنَّما بعثتَنا عليهِم لذلِكَ فقال إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ يقولُ إنِّي قد اطَّلعتُ مِن قلبِ إبليسَ على ما لَم تَطَّلِعوا عليهِ مِن كبْرِهِ واغترارِهِ قال ثمَّ أمرَ بتربةِ آدمَ فرُفِعَتْ فخلقَ اللهُ آدمَ مِن طينٍ لازبٍ واللَّازِبُ اللَّزِجُ الصَّلبُ مِن حَمإٍ مَسنونٍ مُنتِنٍ وإنَّما كان حمأً مَسنونًا بعدَ التُّرابِ فخلقَ منهُ آدمَ بيدِهِ قال فمكثَ أربعينَ لَيلةً جسدًا مُلقَى فكان إبليسُ يأتيهِ فيضربُهُ برجلِهِ فيُصَلصِلُ أيْ فيُصَوِّتُ قال فهوَ قَولُ اللهِ تعالى مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ يقولُ كالشيءِ المُنفرجِ الَّذي ليسَ بمُصْمَتٍ قال ثمَّ يدخلُ في فيهِ ويخرجُ مِن دُبرِهِ ويدخلُ مِن دُبرِهِ ويخرجُ مِن فيهِ ثمَّ يقولُ لَيستْ شيئًا للصَّلصلَةِ ولشيءٍ ما خُلِقتَ ولئن سُلِّطتُ عليكَ لأُهلكِنَّكَ ولئن سُلِّطتُ عليَّ لأعصينَّكَ قال فلمَّا نفخَ اللهُ فيهِ مِن روحِهِ أتَتِ النَّفخةُ مِن قِبَلِ رأسِهِ فجعلَ لا يجري شيءٌ مِنها في جسدِهِ إلَّا صار لحمًا ودمًا فلمَّا انتهَتِ النَّفخةُ إلى سُرَتِهِ نظرَ إلى جسدِهِ فأعجبَهُ ما رأى مِن جسدِهِ فذهبَ لينهضَ فلَم يقدِرْ فهوَ قَولُ اللهِ تعالى وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا قال ضَجِرٌ لا صبْرَ لهُ على سَراءَ ولا ضَراءَ قال فلمَّا تمَتِ النَّفخةُ في جسدِهِ عطسَ فقال الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ بإلهامِ اللهِ فقال لهُ يرحمُكَ اللهُ يا آدمُ قال ثمَّ قال تعالى للملائكةِ الَّذينَ كانوا مع إبليسَ خاصةً دونَ الملائكةِ الَّذينَ في السَّمواتِ اسجُدوا لآدمَ فسجَدوا كلُّهم أجمَعونَ إلَّا إبليسَ أبَى واستكبرَ لمَّا كان حدَّثَ نفسَهُ مِن الكبْرِ والاغترارِ فقال لا أسجدُ لهُ وأنا خيرٌ منهُ وأكبرُ سِنًّا وأقوَى خُلُقًا خلقتَني مِن نارٍ وخلقتَهُ مِن طينٍ يقولُ إنَّ النَّارَ أقوَى مِن الطِّينِ قال فلمَّا أبَى إبليسُ أنْ يسجدَ أبلسَهُ اللهُ أيْ أيَّسَهُ مِن الخيرِ كلِّهِ وجعلَهُ شيطانًا رجيمًا عقوبةً لمَعصيتِهِ ثمَّ علَّمَ آدمَ الأسماءَ كلَّها وهيَ هذهِ الأسماءُ الَّتي يتعارفُ بها النَّاسُ إنسانٌ ودابةٌ وأرضٌ وسهلٌ وبحرٌ وجبلٌ وحمارٌ وأشباهُ ذلكَ مِن الأممِ وغيرِها ثمَّ عرضَ هذهِ الأسماءَ على أولئكَ الملائكةِ يعني الملائكةَ الَّذينَ كانوا مع إبليسَ الَّذينَ خُلِقوا مِن نارِ السَّمومِ وقال لهُم أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ يقولُ أخبِروني بأسماءِ هؤلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إن كنتُم تعلمونَ لَم أجعلْ في الأرضِ خليفةً قال فلمَّا علِمَتِ الملائكةُ مَوجدةَ اللهِ عليهِم فيما تكلَّموا بهِ مِن علمِ الغَيبِ الَّذي لا يعلمُهُ غيرُهُ الَّذي ليسَ لهُم بهِ علمٌ قالوا سبحانَكَ تنزيهًا للهِ مِن أنْ يكونَ أحدٌ يعلمُ الغَيبَ غيرَهُ وتُبنا إليكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا تبرِّيًا منهُم مِن علمِ الغَيبِ إلَّا ما علَّمتَنا كما علَّمْتَ آدمَ فقال يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ يقولُ أخبِرْهُم بأسمائِهِم فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ أيُّها الملائكةُ خاصَّةً إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ولا يعلمُ غَيري وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ يقولُ ما تُظهِرونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يقولُ أعلمُ السِّرَّ كما أعلمُ العلانيةَ يعني ما كتمَ إبليسُ في نفسِهِ مِن الكِبرِ والاغترارِ
الراوي: الضحاك بن مزاحم، المحدث: ابن كثير – المصدر: تفسير القرآن – الصفحة أو الرقم: 1/107
إن حكم المحدث أي إبن كثير كان قد وصف هذا الحديث بالغريب وبالتالي يجب بأن لا يؤخذ أو يُستشهد به خاصة وأن هذه المراحل الطينية تؤيد وتتماشى مع الإسرائيليات … ومن الكثيرين من العلماء والباحثين والذين تأثروا بهذا الطرح نأخذ رؤية للدكتور صبري الدمرداش وفيها يقول بأن خلق آدم من الطين أي مجبول منه كان قد تم على ستة مراحل والمقصود بذلك هو مراحل متتالية
المرحلة الأولى وهي مرحلة التراب
والمرحلة الثانية وهي مرحلة الطين اللين
والمرحلة الثالثة وهي مرحلة الطين اللازب وهو الطين شديد التماسك
والمرحلة الرابعة هي مرحلة الحمأ المسنون
والمرحلة الخامسة هي مرحلة الصلصال كالفخار
والمرحلة السادسة هي مرحلة نفخ الروح
ونُضيف على ذلك طرح آخر قريب منه للدكتور زغلول النجار ويكمن فيه رده على هذه التساؤلات حيث يزعم بأن كل هذه الأمور هي مراحل خلقية متتالية
فيديو للدكتور زغلول النجار بعنوان: هل الإنسان خلق من تراب
–
وفيه يقول
أولاً: الإنسان هو مخلوق من الماء ويقول الله تعالى “وجعلنا من الماء كُل شيء حي” والماء يُشكل الغالبية الساحقة من اجساد الكائنات الحية فإذا قال ربنا بأنه خلق الإنسان من ماء فهو حق لأن جميع العمليات الحيوية لكل من النبات والحيوان والإنسان لا تتم في غياب الماء
ثانياً: وإذا قال الله من تراب فالتراب إذا ابتل بالماء صار طيناً
ثالثاً: والطين إذا أستلت منه عناصر معينة صار سلالة من طين
رابعاً: والطين إذا بدأ بالتعفن صار صلصال كالحمأ المسنون اي الحمأ المتغير لونه وله رائحة كريهة
خامساً: ومن ثم إذا يبُس صار الصُلصال كالفخار
وهذه مراحل متدرجة في الخلق يريد الله لأن يُرينا من خلالها كيف تم الخلق، ومما يؤكد دقة الوصف القرآني بأننا نرى الميت يتراجع في هذه السلسلة أي بعكس ما ذكر القرآن الكريم، أي إذا مات الإنسان تيبس جسده فصار كالتمثال كـ “الصلصال كالفخار” ثُم إذا تُرك يبدأ بالتعفن وتطلع رائحته ويسود لونه كالحمأ المسنون، وإذا تُرك أكثر يبدأ الماء يتبخر ويتحول إلى طين وإذا تُرك أكثر يصبح سلالة من طين، وإذا تُرك أكثر صار تراب فهي عكس عملية الخلق وبالتالي فإن عملية الموت تؤكد على صدق القرآن الكريم فيما جاء عن مراحل الخلق. ويُكمل قائلاً بأن الخلق من الطين يختلف عن الخلق من النطفة فهذه مرحلة وتلك مرحلة اخرى فالأولى أي الخلق من طين تتحدث عن خلق ادم أما الاخرى أي الخلق من النُطفة تتحدث عن خلقنا نحن اي عن تكرار الخلق الآدمي
وهذا يتوافق مع التصور الكتابي لخلق آدم والتي نص عليها الكتاب المقدس والذي فيها يُخبرنا بتحول الإنسان من مخلوق طيني إلى كائن عضوي حي عن طريق جبله من الطين
الكتاب المقدس/التوراة/الإصحاح الثاني 7وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً.
فهم يقولون جبل الإله آدم أي إذن فهو كان حصيلة خليط من تراب وماء أي مخلوق بأكمله من طين ومن ثم أتت النفخة في أنفه فحولته من مخلوق طيني إلى كائن عضوي حي … أي في عملية شبيهة بالسحر
ولكن القرآن يخالف كل هذه التصورات ويخبرنا بخلق الإنسان من طين ثم طرأ عليه التحول العضوي الحي وهو لا يزال في مراحل الخلق الأولي وهو كائن مجهري من سلالة من طين ثم تم جعلها نطفة حية ثم خلق النطفة علقة .. وهكذا، أما الإشارة الوحيدة على الخلق من الطين وتحوله إلى كائن عضوي حي بالشكل اللحظي والكامل فلقد تمت بمشيئة الله فكان في خلق ما هو شبيه بالطير “كهيئة الطير” ولم يكن خلق تكويني بل خلق تمثيلي وهذا ما اختلط على الدكتورين وغيرهم من علماء المسلمين
أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه آل عمران 49
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي المائدة 110
وهذا الخلق التمثيلي من الطين استعمله الله نتيجة سهولة تطويع الطين، فاستعمل الله المثل من الطين لأن من خواص الطين بأنه يحافظ على نفس الشكل تحت تأثير عامل الجاذبية ويمكن لأن يتم إعوجاجه أو ثنيه دون أن ينتج عن ذلك شقوق، وعند زوال العامل المؤثر أو المُحدث للإعوجاج يبقى الشكل المعوج على حاله، فلو أخذنا خليط لأي عنصر “غير طيني” ولكن يشابه في تركيبته التركيبة الطينية أي يتكون من حبيبات دقيقة وقمنا بخلطه مع الماء لكانت النتيجة هي حصولنا على كتلة متحللة من المادة تشبه البودرة لا تمكننا من عمل أي هيئة أو شكل منها، ولكن لو قمنا بعمل نفس الشيء مع الطين لكانت النتيجة جاهزة وقابلة للتطويع لأي شكل أو هيئة نريدها
طبعاً سنرد على هذه المزاعم من خلال بحثنا هذا بالتفصيل ولكن دعونا نُشير في البداية على أن نفخ الروح والتي أعتمدها الأستاذ الكريم الدمرداش كآخر مرحلة من مراحل الخلق لا تُعد من مراحل الخلق والدليل نستمده من أن الخلق كان قد سبق التسوية
قال تعالى “يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) ” الإنفطار
ثم بعد أن خلقه وأوقع عليه التسوية أي الجعل نفخ فيه الروح كمرحلة نهائية
قال تعالى “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)” ص
قال تعالى “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) سورة السجدة
فخلق الإنسان إذن كان قد تم وسبق عملية التسوية والنفخ فيه من روح الله
اما بالنسبة إلى كلام الأستاذ الكبير زغلول النجار فالحقيقة على خلاف من ذلك
فلله يقول بأنه كان قد بدأ بخلقه للإنسان كجنس من طين ولم يبدأه من تراب مع العلم بان الخلق من تراب في الحقيقة هو خلق يسبق الخلق من طين لأنه أسبق منه فكيف يكون نقطة البداية لخلق الإنسان كجنس طين كما أخبرنا الله ثم يعود الله ليُخبرنا بخلقه لآدم “وهنا أشار على شخص آدم بإسمه العلم وليس على الجنس” من تراب والتراب كما هو معروف لا يحتوي على الماء، والله ربط الحياة بوجود الماء فقال “وجعلنا من الماء كل شيء حي” وبالتالي فالخلق من طين هذا إذا كان الطين المقصود به خليط “تراب وماء” كما هو مُتعارف عليه بين العلماء يجعل من المخلوق بالمخلوق الحي على العكس من ما هو مخلوق من تراب لأنه لا حياة فيه فإذن خلق آدم من تراب لا شك بأنه خلق لمن لا حياة فيه أي وبالتالي فآدم كان قد خُلق مما هو ميت قبل إحياء الله له وأليس الله هو القائل “كنتم أمواتاً فأحييناكم” وكما نعلم فإن الميت يتحول إلى تراب وبالتالي إذن أليس أجدر بنا للتروي وذلك حتى نتدبر في ما يعنيه خلق آدم من تراب وبنفس الوقت ما يعنيه خلقه وخلق الإنسان من قبله من طين خاصة وأن الطين المُشار عليه في خلق آدم لربما طين لا يحتوي على الماء
وبالتالي فبالنسبة للخلق من التراب كمرحلة أولى ابتدائية فهذا مستحيل حسب زعم الإستاذين الكريمين لأن الله يقول بأنه بدأ خلق الإنسان من طين، قال تعالى “وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” السجدة 7 . ولم يُشر على خلقه للإنسان كجنس من تراب ولا في آية واحدة في القرآن الكريم وبالتالي فمن هو بالأصدق حديثا الله والذي هو أعلم بخلقه أم استاذينا الكريمين، قال تعالى “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا” النساء 87
الخلق من طين
قال تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ الأنعام 2
إن قوله تعالى “من طين” حملت الاشارة الى مادة خلقه ولكن بقي الكثير بحاجة الى توضيح ما هو نوع هذا الطين وما هو مصدره وماذا يعني وذلك نتيجة استخدام حرف “من” في قوله تعالى “من طين” لأن “من” هي من حروف المعاني وتأتي أولية أو ابتدائية أو تبعيضية أو بيانية ومن خلال التفريق بدورها يتوضح ما المقصود بكل آية حملت أخبار الخلق وبالتالي فإن قول من طين تحمل اكثر من معنى فهي لربما أتت بيانية لتشير على مادة الخلق او اتت ابتدائية لتشير على مما ابتدأ الله خلقه للإنسان او اتت تبعيضية لتشير على احدى المركبات الطينية وليس على طين بعينه وبالتالي إذا أردنا التعرف على نوع الطين الذي خلق الله منه الإنسان علينا بالكشف عن دور وآلية عمل – من – في التعريف على الطين كما أُشير عليه في القران الكريم
فهناك من الإبتدائية: والتي أشارت إلى المرحلة الأولى للخلق
وهنا نشير الى قوله تعالى “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) سورة السجدة
وفيه أتت من ابتدائية لتُشير على ان نقطة البداية التي بدء الله خلقه للإنسان كانت من طين إذن فلم يسبقها أي مرحلة أُخرى او كان خلقه من أي شيء اخر غير الطين
فلقد كان بأن أخبرنا الله بأنه بدأ خلق الإنسان من طين وفي ذلك تأكيد على دور “من” الإبتدائي الأولي والذي يمكننا لأن نستدل من ذلك على أن خلقه كان منذ البداية عبارة عن بنيان مستقل أساس بناءه وأرضيته هو الطين فخلقه الله منه إذن فلم يكن الإنسان بالمخلوق أو موجود ومكون أو له كيان من قبل ذلك لأن نقطة البداية كانت من الطين، وكان في ذلك قوله تعالى من طين بأن حملت الإشارة على أن الطين هو مادة الخلق التي إبتدأ الله منه خلقه للإنسان
وهنا كما نُلاحظ أشار الله عليه بالإنسان أي على عموم الجنس الإنساني لا الآدمي فالمفرد منه انسان والجمع انسان والمذكر منه انسان والمؤنث انسان والآدمي منه انسان والحجري منه انسان وبالتالي فهو لفظ للجنس العام وهذا يشمل على كل خلق إنساني
وهناك – من البيانية – والتي حملت الإشارة لمصدر هذا الطين
وهنا نشير الى قوله تعالى “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ” سورة الحجر 26 .
وفيه اتت من بيانية وحملت الإشارة الى طبيعة هذا الطين ومصدره واصله المشتق منه
إن الكثير من الناس يعتقدون بأن مصدر الطين الوحيد هو من خلال مزج التراب والماء ولكن هذا الوصف لا يشير على كل المركبات الطينية ولا يشمل عليها كُلها ومنها ما بقي غير مُعرف حتى وصفه الله لنا، فلقد عرّف الله سبحانه وتعالى على نوع الطين الذي خُلق منه الإنسان وحدده بالإسم والصفة فكان الحمأ والذي كان قد أُشتُقَّ منه الطين الصلصال هو مصدر وأصل الصلصال قبل تصلصله قبل أن ييبس ويتحجر ويجف، فحسب لسان العرب قال ابن الأَثير: أَصلها من الحَمِّ الحرارة ومن حُمَّة السِّنان، وهي حِدَّتُه وحَميم وحكى شمر عن ابن الأعرابي: الحَمِيم إن شئت كان ماء حارّاً، وإن شئت كان جمراً تتبخر به. والحُمَمُ: الفَحْمُ، واحدته حُمَمَةٌ. والحُمَمُ: الرَّماد والفَحْم وكلُّ ما احترق من النار، وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِن رجلاً أَوصى بَنيه عند موته فقال: إِذا أَنا مُتُّ فأَحْرِقُوني بالنار، حتى إِذا صِرْتُ حُمَماً فاسْحَقوني، ثم ذَرُّوني في الريح لعلي أَضِلُّ اللهَ؛ ويقال أَيضاً: حَمَّ الماءُ أَي صار حارّاً. وحَمَّم الرجل: سَخَّم وجْهَه بالحُمَم، وهو الفحمُ. وفي حديث لقمان بن عاد: خُذي مِنِّي أَخي ذا الحُمَمة؛ أَراد سَوادَ لَونه. الحمأة والحمأ الطين الأسود المنتن، حَمِئَ الماءُ حمأ خالطته الحمأة فكَدِرَ وتَغَيرت رائحته. وفي التنزيل: وجَدها تَغْرُب في عَيْنٍ حَمِئةٍ، وقرأَ ابن مسعود وابن الزبير: حاميةٍ، ومن قرأَ حامِية، بغير همز، أَراد حارّةً، وقد تكون حارّة ذات حمأة، وبئر حَمِئةٌ أَيضأ كذلك.
لقد كان بعد ما أخبرنا الله عن مصدر الصلصال والذي هو من الحمأ “أي من حمم البراكين” والتي يُقذف بها من باطن الأرض بأن أتى بالتعريف والتوضيح لحالته الحمئة فقال فيهم “من حمأ مسنون” فالمسنون حسب لسان العرب، قال أَبو عمرو: أَي متغير منتن، وقال أَبو عبيدة: المسنونُ المَصبوب، ويقال: المسنون المَصْبوب على صورة، وقال الفراء: سمي المِسَنُّ مِسَنّاً لأَن الحديد يُسَنُّ عليه أَي يُحَكُّ عليه. ويقال للذي يسيل عند الحك: سَنِينٌ، قال: ولا يكون ذلك السائل إلا مُنْتِناً، وقال في قوله: من حمَأٍ مسنون، يقال المحكوك، ويقال: هو المتغير كأَنه أُخذ من سَنَنْتُ الحجر على الحجَر، والذي يخرج بينهما يقال له السَّنِينُ، وسَنَّتِ العينُ الدمعَ تَسُنُّه سَنّاً: صبته، واسْتَنَّتْ هي: انصب دمعها. وسَنَنْتُ الترابَ: صببته على وجه الأَرض صبّاً سهلاً حتى صار كالمُسَنّاة.
والمسنون أيضاً هو ما سنّه الله بخلقه ليُستن به فيكون خلق الناس على طريقته ونهجه ويخضع للسنن والقوانيين الكونية
فالحمأ المسنون له أربع صفات: أولها رائحته النتنة والكبريتية. وثانيها حالته السائلة والمصبوبة صباً. وثالثها ما هو محكوك والذي ينشا عنه احتكاكه وتفاعله مع التربة وعناصرها المكونة لها. ورابعها بأنه متغير الخواص
وما نستدل به ونستنتجه هنا ألا وهو بأن الحمأ هو مصدر الطين الصلصال والذي يخرج من الأرض وهو الطين الأسود المفحم والمصحوب بحرارة الجمر ويخرج منه البخار وهو ذو الرائحة الكريهة النتنة فهو سائل ويسيل ومصبوب وهذه دلائل وإشارات واضحة تؤكد على أنه طين الحمم البركانية والتربة المصهورة الحامية والتي تسيل وتصب فوق الأرض وتحتك معها، فالحمم البركانية وتُسمى اللابة باللسان العربي الفصيح وقد انتقل هذا اللفظ لافا إلى الإنجليزية عن طريق الإسبانية وأصلها عربي هي كتل سائلة طينية ملتهبة تتكون من مجموعة من المعادن والصخور المنصهرة نتيجة عاملي الضغط والحرارة والتي تكون درجة حرارتها بين 1000 و 1200 ° “لا تحتوي على الماء في تركيبتها الطينية”، حيث تُقذف من فوهة الجبال البركانية على شكل حمم ذات درجات حرارة عالية جداً يصاحبها غليان الطين
وقال تعالى “صلصال كالفخار” أي فهو ليس بالفخار بل كالفخار اي معنى ذلك بأنه شبيه بالفخار وهذا تشبيه بغرض التقريب لفهم حالة الصلصال هذه ولربما أتت من أجل دراستها وفهمها، وللتعريف بالفخار فهو المادة التي يتم إستعمالها في صناعة الخزف والمجسمات الطينية، وهي تشمل على جميع أنواع السراميك “الطين” المعالج بالحرارة أي بالفرن والتي احتوت على مادة الطين عندما تم تشكيلها إذن فالإنسان مخلوق من الصلصال كالفخار أي فالإنسان مخلوق من مادة شبيهة وقريبة نسبياً من مادة الفخار حين تعالج بالحرارة وتصبح جافة وصلبة والمتحجرة بالإضافة على خلو الماء من تكوينها
وحسب لسان العرب فإن الصلصال من الطِّين هو 1- ما لم يُجْعَل خَزَفاً وجف ويبُس وأصبح كالفخار حالته وشكله، وسُمِّي بذلك لتَصَلْصُله؛ وكلُّ ماجَفَّ من طين أَو فَخَّار فقد صَلَّ صَلِيلاً، وتقول العرب تَصَلْصَلَ الغديرُ: جَفَّتْ حَمْأَتُه. وصلصالٌ ومُصَلْصِلٌ: مُصَوِّتٌ. والصلصالُ: الطِّينُ الحُرُّ والمخلوِط بالرَّمْلِ. 2- الصلصال هو ما صُلَّ من الطين وبالتالي فهو طين مصلي، قال تعالى “لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى” وقال تعالى ” اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ” 3- والصلصال من الحمأ المسنون هو طين الحمم النارية البركانية المنصهرة والمصبوبة
اذن إن ما ينشأ عن الحمأ المسنون هو الطين المصهور والذي يخرج من باطن الأرض على شكل اللابة “الحمم البركانية” السائلة هو تشكُل الصخور النارية، والتي سُرعان ما تجف وتنشف لتُصبح ما نُشير عليه بالطين الصلصال كالفخار أي المصوت أي الطين الجاف أو المتحجر وبالتالي فالصلصال كالفخار إشارة إلى الصخر/ الحجر الناري
تتكون طبقة القشرة الأرضية من ثلاثة أنواع رئيسية من الصخور وهي
-
الصخور النارية وهي الصخور التي تكونت نتيجة تجمد طين الحمم البركانية المنصهرة – والمعروف باللابة بعد أن تجف وتبرد وتتيبس
-
الصخور الرسوبية وهي نوع من الصخور التي تكونت نتيجة ترسب التراب الطيني المحمول بالماء على فترة زمنية بعيدة
-
الصخور المتحولة وهي التي تنشأ من الصخور النارية أو الصخور الرسوبية